أبو الحسنالجُرجاني (322 هـ - 392 هـ، 933 - 1001 م). علي بن عبد العزيز بن الحسن بن علي القاضي الجرجاني، عالم موسوعيٌّ وأديب ناقد من أعلام القرن الرابع للهجرة. ولد بجرجان ونشأ بها وتلقى تعليمه الأول فيها، ثم رحل بصحبة أخيه إلى نيسابور لطلب العلم وهو لم يبلغ الحلم. ويبدو أن تعليمه في نيسابور أشعل فيه جذوة الشغف بالعلم، فأكثر الرحيل في طلبه، فرحل إلى العراقوالشام وغيرهما.
اتصل بالصاحب بن عبّاد الذي كان وزيرًا لبني بويه، فاختص به ومكث عنده، وبلغ من المكانة عنده درجة عالية، فولاه قضاء جُرجان، ثم ولاه القضاء بالرِّيّ، حيث يقيم الصاحب بن عبَّاد، ثم ارتقى به إلى رئاسة القضاء، واستمر في هذا المنصب إلى وفاته.
يشير تقلده منصب القضاء إلى معرفته بالعلوم الإسلامية الواسعة، وهذا واضح فيما ينسب إليه من مؤلفات كتفسير القرآن المجيد، وكتاب في الدلالة، كما تظهر معرفته بالتاريخ من تأليفه كتابًا في الأنساب وآخر في السيرة سماه تهذيب التاريخ.
لكن شهرة القاضي الجرجاني واستمراره مؤثراً على مر العصور لاتعود إلى هذين الحقلين من المعرفة، وإنما تعود إلى معرفته الأدبية والنقدية بما روي له من شعر، حتى تحدث مترجموه عن ديوان له، وبمؤلفه عن المتنبي خاصة وهو كتاب الوساطة بين المتنبي وخصومه.
ظهر مؤلفه الوساطة بين المتنبي وخصومه[1] وقت أن كان الخلاف حول المتنبي شديدًا. فمن النقاد من يبجله، ويرتفع به، ومنهم من يراه شاعرًا عاديًا بل ضعيفًا يقع في أخطاء، لايقع فيها الناشئة من الشعراء، فجعل الجرجاني مهمته إحقاق الحق في المتنبي والدفاع عنه، وقام كتابه على افتراض أن المتنبي شاعر كسائر الشعراء يخطئ ويصيب، لكن علينا أن نغفر سيئاته لحسناته، وألا نجعل السيئات تُذْهِب الحسنات، مستفيدًا من معرفته بالتراث النقدي، فجوانب السلب عند بعض الشعراء الجاهليين، مثلا، لم تجعل النقاد يغفلون جوانب الجودة عندهم.
فالوساطة كتاب في النقد التطبيقي، وإن لم يخلُ أيضًا من معالجة بعض القضايا النظرية مثل مفهوم الشعر وأدواته، وتمثله لعمود الشعر، ورأيه في العلاقة بين الدين والشعر، وفي السرقات الشعرية والمقاييس النقدية وجدواها. ويقف مؤرخو النقد عند رأيه في هذه القضايا، ويميزونه عن آراء غيره من السابقين أو المعاصرين له. وكتاب الوساطة مطبوع متداول.[2]
ملامح شخصيته وأخلاقه
له قصيدة في العلم:
بأيّامِنا بين الكثيبين فالحمى وطيب ليالينا الحميدةِ فيهمَا
ووصْلٍ وَصَلنا بين أعْطافِه المُنى بـِرَدِّ زمانٍ كان للَّهو تَوْأَمَا
صَحِبْنَا بِهِ شَرْخ الشَّباب فدلَّنا على خُلَسٍ أفْضَى إليهنَّ نُوَّمَا
فلم ْنرضَ في أخلاقنا النُّصحَ مَذْهَبَا ولا اللَّومَ في أسـماعنا مُتَلَوَّما
إذا شـَاءَ غاوٍ قادَ لَحْظَاً مُوزَّعاً على غَيِّه أو شَافَ قَلْباً مُقَسَّمَا
أعِنِّي على العُذَّال أو خَلِّ بَيْنَنَا تُريْكَ دُموعيْ أَفْصَحَ القَوْلِ أَبْكَما
وطَيْفٍ تَخَطَّتَ أعيُنُ النَّاسِ والكَرَى إلى ناظرٍ يَلْقى التَّبَاريحَ مِنْهُمَا
تنَسَّم ريَّاهُ وبشَّرَهُ بهِ تناقُصُ ضوءِ البدرِ في جِهَة الحِمَى
وعَزَّ على العَيْنَيْنِ لو لمْ تُرَغَّبا من الطَّيْفِ في إلمامَةٍ أن تُهَوِّما
ولمَّا غَدَا والبينُ يَقْسِم لحْظَهُ على مُكْمَدٍ أغْضَى ورأْسٍ تبسَّما
فمِنْ قائِلٍ: لا آمنَ اللهُ حاســِـداً وقائلةٍ: لا روَّعَ البيْنُ مُغْرَمَا
بَدَت صُفْرَةٌ في وَجْنَتَيْهِ فلمْ تَزَلْ مَدَامِعُه حتَّى تشرَّبَتَا دَمـَا
سَقَى البَرقُ أكْنَافَ الحِمَى كلَّ رائحٍ إذا قَلِقَتْ فيه الجُنُوبُ تَرَنَّمَا
إذا أَسْبَلَتْ عيناهُ لمْ تبقَ رَبْوةٌ من الأرضِ إلا وهي فاغِرَةٌ فَمَا
تَرَى الأرضَ مُتَطَايراً فإن أَنْجَمَتْ صارَتْ سماءً وأَنْجُـمَا